في ظل التحديات الجسيمة التي يواجهها النظام التعليمي السوداني — من انقطاع المدارس، إلى النزوح، وانهيار البنية التحتية، وتفاقم أزمة الأطفال خارج المدرسة — برزت منصة "جواز التعلم" (Learning Passport) كحل رقمي استراتيجي طموح، يهدف إلى ضمان استمرارية التعليم لجميع الأطفال، أينما كانوا. أطلقت هذه المنصة في أكتوبر 2021 بالشراكة بين وزارة التربية والتعليم السودانية، ووزارة الاتصالات والتحول الرقمي، ومنظمة اليونيسف، بدعم تقني من شركة ميكروسوفت، لتكون نافذة واسعة على عالم التعليم الرقمي، المفتوح، المتاح، والآمن.
تُعد منصة جواز التعلم أكثر من مجرد موقع إلكتروني أو تطبيق هاتف ذكي؛ فهي تمثّل "تذكرة" للطالب السوداني نحو مستقبل أفضل، بغض النظر عن ظروفه الاجتماعية أو الجغرافية. سواء كان الطالب في مدرسة في الخرطوم، أو نازحًا في دارفور، أو لاجئًا في دولة مجاورة، أو حتى في منزله خلال فترات الإغلاق، فإن جواز التعلم يوفّر له حقه الأساسي في التعليم دون انقطاع، وبجودة مضمونة، وفق المنهج الوطني السوداني.
ما هي منصة جواز التعلم؟
منصة جواز التعلم (Learning Passport) هي مبادرة تعليمية رقمية عالمية طوّرتها منظمة اليونيسف بالشراكة مع شركة ميكروسوفت، بهدف ضمان وصول الأطفال والشباب في جميع أنحاء العالم — خصوصًا في الأزمات — إلى تعليم عالي الجودة، شامل، وقابل للتكيف. وفي السودان، تم تبني هذه المبادرة محليًا تحت اسم "جواز التعلم السوداني"، وتم تكييفها لتتماشى تمامًا مع المناهج الوطنية للصفوف من الأول الابتدائي إلى الثامن (بما في ذلك ما كان يُعرف سابقًا بالمرحلة المتوسطة).
المنصة متاحة عبر متصفح الإنترنت من خلال الموقع الرسمي: www.learningpassport.moe.sd، كما يمكن تنزيل تطبيقها المجاني على أجهزة أندرويد من متجر جوجل بلاي أو عبر رابط APK مباشر من الصفحة الرئيسية. وتتميز المنصة بدعمها للعمل دون اتصال بالإنترنت (Offline Mode)، حيث يمكن للطالب تحميل دروسه مسبقًا والاستفادة منها لمدة تصل إلى 60 يومًا دون الحاجة إلى اتصال مستمر — وهي ميزة حاسمة في مناطق السودان التي تعاني من ضعف أو انعدام خدمات الإنترنت.
يُشار إلى أن استخدام منصة جواز التعلم لا يترتب عليه أي تكلفة مالية على المستخدم. بل إن استهلاك البيانات أثناء استخدام التطبيق يتم تغطيته أو دعمه من قبل شركات الاتصالات العاملة في السودان، ضمن اتفاقيات شراكة وطنية تهدف إلى خفض الحواجز أمام التعليم الرقمي.
لماذا تم إطلاق جواز التعلم في السودان؟
جاء إطلاق جواز التعلم في سياق تاريخي واجتماعي بالغ الصعوبة. فخلال عامي 2020 و2021، أدت جائحة كوفيد-19 إلى إغلاق واسع النطاق للمدارس في السودان، مما أثّر على أكثر من 8.1 مليون طالب وطالبة. وتفاقمت هذه الأزمة مع الصراعات المسلحة المستمرة، التي أدت إلى نزوح جماعي، وتدمير البنية التحتية التعليمية، وتعطيل العملية التعليمية في عشرات الولايات.
ويُقدّر عدد الأطفال خارج المدرسة في السودان بنحو 3.6 مليون طفل — وهو الرقم الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هؤلاء الأطفال، سواء بسبب الفقر، أو النزوح، أو انعدام الأمن، أو التمييز، قد يفقدون فرصتهم الوحيدة في بناء مستقبل كريم. ومن هنا، برزت الحاجة الملحة إلى أداة مرنة، قابلة للتوسع، وقادرة على الوصول إلى الفئات الأكثر هشاشة.
ومن هذا المنطلق، صُمّمت منصة جواز التعلم كأداة لسد الفجوة التعليمية التي خلّفتها الجائحة، وتمكين الطلاب من مواصلة تعليمهم دون تأخير. كما تُعد جزءًا من رؤية أوسع لليونيسف تهدف إلى "تسريع وتحسين الوصول إلى تعليم عالي الجودة لكل طفل"، عبر دمج التكنولوجيا في صميم النظام التعليمي.
ما الذي تقدمه المنصة للطلاب؟
تقدم منصة جواز التعلم محتوى رقميًا كاملاً يغطي **جميع مواد المنهج الوطني السوداني للصفوف من الأول إلى الثامن**. ويشمل ذلك:
- اللغة العربية
- اللغة الإنجليزية
- الرياضيات
- العلوم
- التربية الإسلامية (أو المسيحية حسب الخلفية الدينية)
- التاريخ
- الجغرافيا
- تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
- التربية الفنية
ويتم تقديم هذه المواد عبر واجهة سهلة الاستخدام، مصممة خصيصًا للأطفال. وتتميز الدروس بأنها:
- تفاعلية: تحتوي على أنشطة، أسئلة، وألعاب تعليمية تُحفّز التفكير وتعزز الفهم.
- منظمة: مرتبة حسب الصف، المادة، والفصل الدراسي، مما يسهل التنقل.
- مدعومة بالوسائط المتعددة: تشمل صورًا، رسومًا، ومقاطع مرئية بسيطة توضّح المفاهيم الصعبة.
- متاحة دون اتصال: يمكن تحميل أي درس أو وحدة بالكامل للاستخدام لاحقًا بدون إنترنت.
كما تُستخدم في المنصة شخصيات كرتونية مرافقة تُدعى "بتول" و"بلبل"، تعملان كمرشدين رقميين للطالب، يشرحان خطوات التسجيل، الاستخدام، وحل المشكلات الشائعة، بلغة ودودة ومناسبة لعمر الأطفال.
كيفية التسجيل في منصة جواز التعلم
عملية التسجيل في المنصة بسيطة ومباشرة، ويمكن أن يقوم بها الطالب نفسه، أو أحد الوالدين، أو الوصي، أو المعلم. وتتم عبر الخطوات التالية:
- اذهب إلى الموقع الرسمي: www.learningpassport.moe.sd من أي متصفح (مثل Chrome أو Firefox).
- انقر على خيار "التسجيل" أو "Sign Up".
- املأ نموذج التسجيل بالمعلومات التالية للطالب:
- الرقم الوطني (رقم الهوية)
- الاسم الكامل
- دولة الإقامة (عادة السودان)
- الولاية
- المحلية
- الوحدة الإدارية (إن وُجدت)
- اسم المدرسة
- الصف الدراسي
- رقم الهاتف المحمول (يمكن استخدام نفس الرقم لتسجيل حتى أربع حسابات)
- بعد إدخال البيانات، اضغط على "تسجيل" أو "Sign Up".
- ستصلك رسالة نصية قصيرة (SMS) تحتوي على:
- عنوان بريد إلكتروني مؤقت خاص بجواز التعلم
- كلمة مرور مؤقتة
- عد إلى الصفحة الرئيسية، وانقر على "تسجيل الدخول" في الزاوية العلوية اليمنى.
- أدخل البريد الإلكتروني وكلمة المرور المرسلين عبر الرسالة.
- بعد تسجيل الدخول، يمكنك تصفح المواد مباشرة، أو تنزيلها للاستخدام دون اتصال.
في حال واجهتك أي مشكلة تقنية، يمكنك النقر على قسم "الأسئلة الشائعة والدعم" (FAQ and Support) الموجود في أسفل الصفحة، والذي يحتوي على إجابات مفصلة لأكثر التحديات شيوعًا، مثل: "لم أستلم رسالة SMS"، "نسيت كلمة المرور"، "التطبيق لا يعمل"، وغيرها.
من يمكنه الاستفادة من المنصة؟
المنصة مفتوحة لجميع الطلاب السودانيين في الصفوف من الأول إلى الثامن، بغض النظر عن حالتهم:
- الطلاب الملتحقون بالمدارس: كوسيلة لتعزيز تعلمهم خارج الفصل، أو لمراجعة الدروس أثناء العطلات.
- الطلاب خارج المدرسة: خاصة أولئك الذين لا يستطيعون الالتحاق بسبب النزوح، الفقر، أو النزاعات.
- الأطفال اللاجئون: حيث يمكن لأي طفل سوداني مقيم في دولة أخرى استخدام المنصة طالما لديه اتصال بالإنترنت.
- المعلمون: للاطلاع على المناهج الرقمية، وإعداد دروس مدعومة.
- أولياء الأمور: لمتابعة تقدم أبنائهم، ومساعدتهم في الدراسة المنزلية.
ويُعد هذا الشمول أحد أبرز نقاط قوة المنصة، إذ تُزيل الحواجز الجغرافية والاجتماعية التي عادةً ما تحول دون وصول التعليم الجيد إلى الفئات الضعيفة.
الدعم التقني والشركاء الاستراتيجيون
لا يمكن فهم نجاح جواز التعلم دون النظر إلى الشراكة الاستثنائية التي تقوم عليها. فعلى المستوى العالمي، تم تطوير المنصة بالتعاون بين منظمة اليونيسف — الجهة الرائدة في الدفاع عن حقوق الأطفال — وشركة ميكروسوفت، التي وفرت البنية التحتية السحابية، التصميم التفاعلي، ودعم الأمان السيبراني.
أما على المستوى المحلي، فقد لعبت وزارة التربية والتعليم السودانية دورًا محوريًا في:
- رقمنة المناهج الوطنية بالكامل.
- مراجعة المحتوى لضمان مطابقته للسياق الثقافي والتعليمي السوداني.
- اعتماد المنصة رسميًا كمرجع تعليمي معتمد.
كما ساهمت وزارة الاتصالات والتحول الرقمي في تسهيل الوصول عبر:
- تنسيق دعم شركات الاتصالات (مثل Zain، MTN، Sudani) لتغطية تكلفة البيانات.
- توفير البنية التحتية الرقمية اللازمة لتشغيل الخوادم المحلية.
ومن دون هذه الشراكة الثلاثية — الحكومية، الدولية، والخاصة — لما كان لجواز التعلم أن يرى النور بهذه الكفاءة والاتساع.
التحديات والفرص المستقبلية
رغم النجاحات الكبيرة التي حققتها المنصة منذ إطلاقها، إلا أن هناك تحديات مستمرة يجب التصدي لها:
- نقص الأجهزة الرقمية: فكثير من الأسر في السودان لا تمتلك هاتفًا ذكيًا أو حاسوبًا.
- الإلمام بالتقنية: لا سيما بين أولياء الأمور في المناطق الريفية.
- تحديث المحتوى: ضرورة مراجعة المناهج سنويًا لمواكبة التغييرات التعليمية.
- التوسع إلى المراحل العليا: حتى الآن، لا تشمل المنصة الصفوف الثانوية، وهو طلب شائع من المستخدمين.
ومع ذلك، تمثّل هذه التحديات فرصًا للتطوير. فالمستقبل قد يشهد:
- تعاونًا مع المنظمات الإنسانية لتوزيع أجهزة ذكية مسبقة التحميل.
- ورش عمل مجتمعية لتعليم أولياء الأمور كيفية استخدام المنصة.
- تكامل المنصة مع أنظمة التقييم الإلكتروني والامتحانات الرسمية.
- توسيع المحتوى ليشمل الصفوف من التاسع إلى الثاني عشر.
أثر المنصة على التعليم في السودان: رؤية واقعية
لا يمكن قياس نجاح جواز التعلم فقط بعدد المستخدمين، بل بتأثيره على حياة الأطفال. فكل طفل يستخدم المنصة هو طفل:
- لم يُحرم من حقه في التعليم بسبب الصراع.
- يتعلم في أمان منزله أثناء الفيضانات أو الأوبئة.
- يحافظ على ترابطه مع المنهج الوطني، حتى لو اضطر للعيش خارج وطنه.
- يكتسب مهارات رقمية أساسية ستفيد في مستقبله المهني.
ومن خلال تقديم تعليم موحد، عادل، ومرن، تساهم المنصة في بناء جيل سوداني واعٍ، قادر على قيادة بلاده نحو الاستقرار والتنمية.
نصائح للاستفادة القصوى من جواز التعلم
- سجّل مبكرًا: لا تنتظر حتى يبدأ العام الدراسي — سجّل حساب طفلك الآن.
- حمّل الدروس مسبقًا: خاصة قبل السفر أو الانتقال إلى مناطق ضعيفة الاتصال.
- استخدم نفس الرقم لتسجيل الإخوة: لتوفير الوقت والموارد.
- شجّع الطفل على الاستقلالية: دعه يستكشف المنصة بنفسه بمساعدة "بتول" و"بلبل".
- شارك المعرفة: أخبر جيرانك، أصدقائك، ومعلم طفلك عن المنصة.
الخاتمة: جواز التعلم ليس مجرد تطبيق… بل وعد
في مجتمع يعصف به التحدي، تمثّل منصة جواز التعلم وعدًا متجددًا: وعد بأن التعليم لن يتوقف، مهما كانت الظروف. وعد بأن كل طفل سوداني يستحق فرصة متساوية للتعلم. وعد بأن التكنولوجيا، إذا وُجهت للخير، يمكن أن تكون أداة تحرير وتمكين.
من خلال الموقع الإلكتروني www.learningpassport.moe.sd، أو تطبيق الهاتف المجاني، يمكن لأي أسرة سودانية اليوم أن تأخذ خطوتها الأولى نحو هذا المستقبل. كل ما تحتاجه هو رقم هاتف، ورغبة في التعلم. فهل أنت مستعد لاستلام تذكرتك نحو غد أفضل؟
