في خطوة جريئة تُكتب بمداد الفخر في سجل التعليم السوداني، أعلنت وزارة التربية والتعليم الاتحادية السودانية، بالشراكة مع جهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج (جهاز المغتربين)، عن تدشين "المدرسة الإلكترونية السودانية" (Sudanese E-School – SES)، كأول مؤسسة تعليمية إلكترونية نظامية ومعتمدة رسميًا في تاريخ السودان. ويُعد هذا الإعلان تتويجًا لجهود وطنية متضافرة تهدف إلى إنقاذ جيل كامل من الضياع، وضمان استمرارية التعليم في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وتمكين الطلاب أينما كانوا — داخل السودان أو خارجه — من مواصلة تعليمهم وفق منهج وطني سوداني معتمد، وبجودة عالمية.
تأتي المدرسة الإلكترونية السودانية SES ليست كحل طارئ أو بديل مؤقت، بل كرؤية استراتيجية طويلة المدى، تُعيد تعريف مفهوم التعليم الحديث في السياق السوداني. فهي تجمع بين المصداقية الحكومية، والشراكة المؤسسية، والتكنولوجيا المتطورة، لتقديم تجربة تعليمية متكاملة، تفاعلية، ومنظمة — تُخوّل الطالب الحصول على شهادة رسمية معترف بها من وزارتي التربية والتعليم والخارجية السودانيتين، تُعادل في قيمتها الشهادات الصادرة من المدارس التقليدية.
الاعتراف الرسمي: أول مدرسة إلكترونية مرخصة في السودان
ما يميّز المدرسة الإلكترونية السودانية SES عن أي مبادرات تعليمية رقمية سابقة هو طابعها **الرسمي والقانوني**. فقد منحت وزارة التربية والتعليم السودانية ترخيصًا صريحًا وفريدًا يعترف بـSES كمدرسة إلكترونية نظامية، تابعة لجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج. وهذا يعني أن SES ليست مجرد منصة تعليمية أو موقع إلكتروني يقدم دروسًا، بل مؤسسة تعليمية حقيقية — لها كيان قانوني، منهج معتمد، هيكل إداري، فريق تدريسي مؤهل، ونظام تقييم رسمي.
ومن أبرز مكاسب هذا الاعتراف أن طلاب SES يمكنهم:
- الحصول على شهادات نجاح رسمية في نهاية كل عام دراسي.
- استخراج كشوف الدرجات المعتمدة من الوزارة.
- تصديق وثائقهم لدى وزارة الخارجية السودانية.
- استخدام شهاداتهم للالتحاق بالجامعات داخل السودان وخارجه.
هذا الترخيص يجعل من SES المدرسة الإلكترونية الوحيدة في السودان التي تضمن لطلابها الاعتراف الكامل بمؤهلاتهم، وهو أمر كان يُعد عائقًا كبيرًا أمام أي محاولات سابقة للتعليم عن بُعد.
الشراكة الاستراتيجية: VerseEDQ كشريك تقني عالمي
لم تكتفِ SES بالاعتماد على المنهج الوطني فحسب، بل سعت إلى تبني أحدث الحلول التكنولوجية في مجال التعليم الإلكتروني. ومن هذا المنطلق، أبرمت شراكة استراتيجية مع منصة "VerseEDQ"، وهي واحدة من أبرز المنصات التعليمية العالمية الحديثة، المعروفة بقدرتها على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والوسائط التفاعلية لخلق بيئات تعليمية جذابة وفعّالة.
ومن خلال هذه الشراكة، تتيح SES للطلاب:
- محتوى تفاعلي غني: يشمل فيديوهات تعليمية مصورة، رسوم متحركة توضيحية، خرائط ذهنية، ونماذج ثلاثية الأبعاد.
- اختبارات ذكية: تُقيّم أداء الطالب فورًا، وتُوجّهه إلى محتوى تعزيزي حسب نقاط ضعفه.
- دعم لغوي دقيق: حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد شرح بلغة عربية فصيحة، مبسطة، ومناسبة لعمر الطالب ومرحلته الدراسية.
- بيئة تعليمية آمنة ومنضبطة: مع أدوات مراقبة للحضور، المشاركة، والتقدم الأكاديمي.
هذه الشراكة لم تُضف فقط الجودة التقنية، بل عززت أيضًا مصداقية المدرسة على المستوى الدولي، وفتحت الباب أمام اعترافات مستقبلية من جهات تعليمية عالمية.
رؤية وطنية: التعليم للجميع، أينما كانوا
تستند فكرة SES إلى رؤية وطنية واضحة: **"التعليم حق لا يسقط بالتقادم أو بالجغرافيا"**. ففي بلد يعاني من نزوح داخلي، لجوء خارجي، انقطاع مدارس، وانهيار بنى تحتية، يصبح الوصول إلى التعليم تحديًا وجوديًا لآلاف الأطفال. وهنا تبرز SES كـ"مظلة وطنية رقمية" تحمي هذا الحق.
المنصة مفتوحة أمام:
- أبناء السودانيين المغتربين في دول الخليج، أوروبا، أمريكا، وأستراليا.
- النازحين داخليًا في دارفور، النيل الأزرق، كردفان، وغيرها.
- الأطفال خارج المدرسة بسبب الفقر أو الظروف الأمنية.
- الطلاب الراغبين في نظام تعليم مرن يوازن بين الدراسة والأنشطة الأخرى.
- حتى غير السودانيين الراغبين في الالتحاق بمنهج سوداني عالي الجودة.
وبفضل طبيعتها الرقمية، تُزيل SES الحواجز المادية والمكانية، وتوفر فرصًا متساوية لجميع الطلاب، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية.
منهجية أكاديمية منضبطة وفق المنهج السوداني
رغم طبيعتها الرقمية، تحرص SES على الالتزام الكامل بالمنهج الوطني السوداني. فجميع المقررات الدراسية مُعتمدة من وزارة التربية والتعليم، وتُدرّس وفق الكفايات والأهداف التربوية المحددة لكل صف. ولا يتم الاعتماد على المحتوى التفاعلي كزينة، بل كوسيلة لتعزيز الفهم وتحقيق الأهداف التعليمية.
ويتم تدريس المواد من قبل فريق من المعلمين السودانيين المؤهلين، ذوي الخبرة في التعليم النظامي، والذين خضعوا لبرامج تدريبية خاصة في التعليم الإلكتروني. كما يخضع النظام الدراسي لرقابة أكاديمية مشددة، تضمن:
- انتظام الحصص الافتراضية (Live Classes).
- توفير مواد إثرائية إضافية.
- تقييم مستمر عبر اختبارات دورية ومشاريع.
- تواصل مباشر بين المعلمين وأولياء الأمور.
هذا النهج يضمن أن الطالب لا يكتسب المعرفة فحسب، بل يكتسب أيضًا المهارات الحياتية، التفكير النقدي، والقدرة على حل المشكلات — وهي أهداف أساسية لأي نظام تعليمي حديث.
دعم مؤسسي رفيع المستوى
لم يكن إطلاق SES ليتحقق لولا الدعم المؤسسي الاستثنائي الذي حظيت به. وقد عبر كبار المسؤولين السودانيين عن تقديرهم لهذه المبادرة، مؤكدين أنها "حل استثنائي لمشكلات تعليمية استثنائية".
من أبرز الداعمين:
- الأستاذ محمود سر الختم الحوري، وزير التربية والتعليم الاتحادي المكلف، الذي وصف القرار بأنه "شجاع ويُحسب في سجل الوزارة".
- الدكتور عبدالرحمن سيد أحمد، الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج، الذي رأى في SES "أداة لربط المغتربين بوطنهم من خلال التعليم".
- السفير أحمد عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب، السفير السوداني لدى قطر، الذي أثنى على البُعد الدبلوماسي للمنصة.
- د. معاوية السر قشي، مدير المدرسة وعضو مجلس الإدارة، الذي يقود الفريق التنفيذي لتحقيق الرؤية.
هذا الدعم الرسمي يمنح SES ثقة لا تُقدّر بثمن، ويزيد من فرص نجاحها واستمراريتها.
التسجيل والوصول: خطوات بسيطة لمستقبل مشرق
عملية التسجيل في المدرسة الإلكترونية السودانية SES مصممة لتكون سلسة وسهلة:
- زيارة الموقع الرسمي: ses.gov.sd
- اختيار الصف الدراسي المناسب.
- تعبئة نموذج التسجيل بالبيانات الشخصية والتعليمية.
- دفع الرسوم الدراسية (التي تم وصفها بأنها "مناسبة للجميع").
- استلام بيانات الدخول إلى المنصة التعليمية.
- بدء رحلة التعلم من أول يوم دراسي.
ويُمكن للطلاب الوصول إلى المنصة من أي جهاز ذكي (هاتف، لوحي، حاسوب)، مع دعم كامل للعمل دون اتصال في بعض الموارد.
التحديات والفرص: نحو تعليم رقمي شامل
رغم الإنجاز الكبير، تواجه SES تحديات حقيقية:
- الوصول إلى الأسر التي لا تمتلك أجهزة رقمية.
- الإلمام المحدود بالتكنولوجيا بين بعض أولياء الأمور.
- الحاجة إلى توسعة المنصة لتشمل المراحل الثانوية بالكامل.
لكن هذه التحديات تحمل فرصًا للتعاون مع:
- المنظمات الدولية (مثل اليونيسف) لتوفير أجهزة.
- السفارات السودانية لنشر الوعي بين المغتربين.
- الجامعات لتدريب المعلمين على التعليم الرقمي.
الخاتمة: SES... ليست مجرد مدرسة، بل وعد وطني
المدرسة الإلكترونية السودانية SES هي أكثر من مجرد منصة تعليمية. إنها وعد للجيل السوداني بأن تعليمه لن يضيع، مهما كانت الظروف. وعد بأن الهوية التعليمية السودانية ستبقى حية، حتى في أقسى الأزمات. وعد بأن التكنولوجيا، إذا وُظّفت بالشكل الصحيح، يمكن أن تكون جسرًا للإنقاذ، لا أداة للهدر.
من خلال الجمع بين الشرعية الحكومية، الشراكة التكنولوجية، والرؤية الإنسانية، تضع SES حجر الأساس لنظام تعليمي سوداني جديد — مرن، عادل، ومستدام. والآن، بعد الإطلاق الرسمي، يبقى السؤال: هل سنغتنم هذه الفرصة لبناء مستقبل أفضل لأطفالنا؟
لأن التعليم ليس رفاهية... بل حق. ولأن كل طفل سوداني يستحق فرصة.
